🧘🏻♀️اليوغا: أصولها و فوائدها و ارتباطها بالصحة النفسية ومخاطرها

مقدمة
اليوغا ليست مجرد تمرين جسدي، بل هي نظام حياة متكامل يجمع بين الجسد، العقل، والروح. على مرّ القرون، تطورت اليوغا من ممارسة روحية في شبه القارة الهندية إلى أداة عالمية للصحة البدنية والنفسية. اليوم، تُدرَس فوائدها علميًا، وتُدمج في برامج العلاج النفسي، وإعادة التأهيل، والوقاية من الأمراض. لكن، كأي ممارسة بشرية، تحمل اليوغا فوائد جمة إذا مورست بشكل صحيح، وقد تنطوي على مخاطر إذا أُسيء استخدامها أو طُبّقت دون إشراف مناسب.
ما هي اليوغا؟
الكلمة "يوغا" مشتقة من الجذر السنسكريتي "يوج" (Yuj)، وتعني "الاتحاد" أو
"الارتباط"، وتشير إلى اتحاد الفرد مع ذاته العميقة، أو مع الكون، أو مع
الوعي الأعلى، حسب التفسير الفلسفي.
نشأت اليوغا في الهند قبل أكثر من 5000 سنة، ووُثّقت لأول مرة في "النصوص
الفيدية" ثم في "اليوغا سوترا" لـباتنجالي (حوالي القرن
الثاني قبل الميلاد)، التي تُعدّ المرجع الكلاسيكي لفلسفة اليوغا.
اليوغا الحديثة، كما تُمارس اليوم في الغرب والعالم العربي، تركز غالبًا على الجوانب الجسدية (الأساناس – الوضعيات) والتنفس (براناياما) والاسترخاء، بينما تُهمَل أحيانًا جوانبها الأخلاقية والتأملية. لكن الأشكال التقليدية تشمل ثمانية فروع (الأشتانجا يوغا)، منها:
- الياما (الضوابط الأخلاقية الخارجية).
- نيياما (الضوابط الداخلية كالنقاء والرضا).
- الأساناس (الوضعيات الجسدية).
- براناياما (ضبط التنفس).
- براتياهارا (سحب الحواس للداخل).
- دارانا (التركيز).
- ديانا (التأمل).
- سامادهي (الاتحاد أو الوعي المطلق).
الفوائد الصحية لليوغا
1. الفوائد الجسدية:
- تحسين المرونة والتوازن.
- تخفيف آلام الظهر والرقبة.
- تحسين وظائف القلب وخفض ضغط الدم.
- دعم الجهاز التنفسي عبر تقنيات التنفس.
- تنظيم الغدد الصماء وتحسين التوازن الهرموني.
2. الفوائد النفسية (المحور الأهم في الصحة النفسية):
- تقليل التوتر والقلق عبر خفض هرمون الكورتيزول.
- المساعدة في علاج الاكتئاب من خلال رفع مستويات السيروتونين وGABA.
- تحسين جودة النوم وتقليل الأرق.
- تعزيز الوعي الذاتي واليقظة الذهنية (Mindfulness).
- دعم علاج اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD).
اليوغا والصحة النفسية: العلاقة العلمية
أصبحت اليوغا جزءًا من "الطب التكاملي" (Integrative Medicine)، وخصوصًا في مجال الصحة النفسية. ففي السنوات الأخيرة، دعمت منظمات صحية كبرى — مثل منظمة الصحة العالمية والجمعية الأمريكية للطب النفسي — دمج تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا في خطط علاج القلق والاكتئاب.
الآلية البيولوجية:
- تقليل نشاط الجهاز العصبي الودي (المسؤول عن استجابة "القتال أو الهروب").
- تنشيط الجهاز العصبي السمبتاوي (المسؤول عن الراحة والهضم).
- تحسين وظيفة اللوزة الدماغية والحُصين، وهما منطقتان في الدماغ تتأثران بالتوتر المزمن.
أظهرت دراسات منشورة في مجلات مثل Journal of Clinical Psychology وFrontiers in Psychiatry أن اليوغا، خاصة عند دمجها مع العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، تعزز النتائج العلاجية بشكل ملحوظ.
هل اليوغا مناسبة للمقالات الطبية في قسم الصحة النفسية؟
نعم، تمامًا. اليوغا تُعد موضوعًا طبيًا ونفسيًا مشروعًا وموثّقًا علميًا. فهي:
- مدعومة بأدلة سريرية.
- قابلة للقياس (مثل قياس معدل ضربات القلب، مستويات الكورتيزول).
- قابلة للتطبيق في السياقات العلاجية والوقائية.
- لا تتطلب أدوية، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمرضى.
لذا، تُدرج اليوغا اليوم في برامج إعادة التأهيل النفسي، مراكز علاج الإدمان، المدارس، والمستشفيات.
المحاذير والمخاطر المحتملة
رغم فوائدها، فإن اليوغا ليست خالية من المخاطر، خاصة إذا:
- مُورست دون إشراف مدرب مؤهل.
- طُبّقت على مرضى يعانون من حالات طبية معينة دون تعديل الوضعيات.
المخاطر الجسدية:
- إصابات في الظهر، الرقبة، أو المفاصل.
- تفاقم حالات مثل: الانزلاق الغضروفي، هشاشة العظام، الجلوكوما، أو الحمل المتأخر.
المخاطر النفسية (نادرة لكنها واردة):
- نوبات هلع.
- استرجاع ذكريات مؤلمة (خاصة لدى مرضى PTSD).
- شعور بالانفصال أو الارتباك الذهني (خاصة في أنماط اليوغا التأملية العميقة).
نصائح لممارسة آمنة وفعّالة
- ابدأ ببطء: اختر أنماطًا لطيفة مثل "هاثا يوغا" أو "ريستوراتيف يوغا".
- استشر طبيبك: خاصة إذا كنت تعاني من أمراض مزمنة أو نفسية.
- اختر مدربًا معتمدًا: يمتلك خلفية في التعامل مع الحالات الطبية.
- استمع لجسدك: لا تُجبر نفسك على وضعيات مؤلمة.
- اجعلها جزءًا من روتينك: 20–30 دقيقة 3–4 مرات أسبوعيًا تكفي لتحقيق فوائد ملحوظة.
خاتمة
اليوغا ليست دينًا، ولا طقسًا غامضًا، بل هي علم قديم للرفاهية يتوافق تمامًا مع المبادئ الحديثة للطب النفسي والوقائي. عندما تُمارس بوعي واحترام للقدرات الفردية، تصبح أداة قوية لتعزيز الصحة النفسية، وتقليل التوتر، واستعادة التوازن الداخلي. ولأنها لا تعتمد على الأدوية وتناسب مختلف الأعمار والثقافات، فإنها تُعد إضافة قيّمة لأي برنامج صحي نفسي متكامل.